الشيطان يعظ ....
![]() |
الشيطان يعظ |
مازن ابو الحسن 10 اكتوبر 2020
(مقال عن ضياع الدولة المدنية في ظل تشبث العسكر بالسلطة في السودان ، مستوحى من مقال للكاتب علاء الاسواني: كيف تقضى على الثورة فى ست خطوات)
الشيطان يهمس في أذن البرهان: أيها الجنرال تماسك جيداً ، خذ نفساً عميقاً ، ولا يرهبك هدير ملايين الثوار الذين يحتشدون خارج اسوار القيادة العامة. لأن الثورات – بما في ذلك ثورة ديسمبر الحالية – هي شذوذ عن القاعدة ففي الأحوال الطبيعية فالجميع يخضعون بالكامل للحكم الدكتاتوري ، بسبب الخوف من القهر والبطش وما هذه الثورة "الا فورة لبن" فإن عدد الثورات في التاريخ لا يكاد يذكر.
الآن شاءت الأقدار ان يصبح سيادتكم على رأس السلطة في البلاد ولذلك أمامكم فرصة تاريخية للحفاظ على مركزكم المرموق شريطة ان تتقن عملية تدجين الشباب الثائرين في الميادين إضافةً الى الاحزاب السياسية والكيانات الأخرى. ولانجاز هذه المهمة بنجاح اسمحوا لي سيادتكم بأن اقدم لكم ستة نصائح قيمة للوصول الى الغايات المرجوة:
اولا: وبالرغم من تعاطفكم الكامل مع نظام الكيزان البائد ، لكن وجب عليكم ان تكتموا مشاعركم الجياشة نحوهم ، وعلى النقيض من ذلك عليكم ان ترسلوا التحية "للراستات والسانات والصابنها قنا" كما يجب ان تلعنوا حقبة الكيزان البائدة (بس ما تكثروا المحلبية) لكي يصدقكم الناس ولا تنسوا ان تتغنوا بأهازيج الثورة "حرية سلام وعدالة" و الاغاني الوطنية "سودان بلدنا وكلنا اخوان"
ثانيا: اياكم والتفريط في المنظومة القديمة وعلى الرغم من انكم ستواجهون ضغوط هائلة لتغيرها لذلك "طولوا بالكم" ولكن عندما تصل هذه الضغوطات ذروتها قوموا باختيار اكثر الشخصيات الممقوتة من رموز النظام السابق وتقديمهم فورا لمحاكمات بطيئة ، عقيمة ومعقدة - تستمر الى ما لا نهاية – و بالتأكيد عليكم ان توضحوا لأصدقائكم – الكيزان - بأنها مجرد محكامات شكلية (خمسة نجوم) لامتصاص الغضب العام . لضمان سير هذه المحاكمات بسلاسة يجب استمرار المنظومة القضائية ومؤسسات الدولة الأخرى على نفس النهج القديم
ثالثا: كما تعملون ومن خلال مشاركتكم في الانظمة الدكيتاتورية – لمدة ثلاثين سنة - يمكن تصنيف الناس الى ثلاث مجموعات: عامة الشعب (الأغلبية) و الثوار (قلة) و المنتفعيين من النظام القائم (أقل مجموعة). في العادة عامة الشعب مقهورين ومغلوب على امرهم و لا يمتلكون الشجاعة للتعبير عن سخطهم على النظام بل ودائما ما يحاولون التكيف مع الوضع القائم (ديل سرقوا و شبعوا .. و جِناً تعرفه احسن من جِناً ما بتعرفوا). الثوار غالباً تأثيرهم قليل بسبب القمع المفرط من قبل الأنظمة الدكتاتورية (اجهزة امنية و مليشيات وكتائب ظل). ولكن للأسف تبدأ الثورة عندما ينجح هؤلاء الثوار باقناع عامة الشعب "المتفرجين" بالانضمام اليهم . ولكي تنجحوا في كبح جماع الثورة عليكم اعادة عامة الشعب الى مقاعد المتفرجين مرة اخرى وذلك بمفاقمة الأزمات الاقتصادية والصحية والامنية لخنقهم (صفوف عيش ، صفوف بنزين ، صفوف غاز ، انعدام الدواء ، وقطوعات مستمرة في الكهرباء و الماء ، وانفلاتات امنية) ثم اطلقوا العنان لأبواق النظام السابق والمأجورين في مختلف الأجهزة الأعلامية للتهويل والسخط على الوضع الجديد "يسقط حمدوك"
رابعا: إعلموا جيدا بان الثوار هم اعداؤكم الحقيقين ولكنهم ليسوا على قلب رجل واحد (الشباب ولجان المقاومة ، تجمع المهنيين الحرية والتغيير ، والاحزاب بمختلف اتجاهاتها من اقصى اليمين الى اقصى اليسار). إستعينوا بتقارير الأجهزة الأمنية لتصنيفهم و من ثم اصطناع قضايا وهمية - السودان دولة دينية ام علمانية - لتمايزوا بينهم الى فريقين رئيسيين (الفاشيين تجار الدين ضد القوى الديمقراطية). يمكنكم ان تتحالفوا سراً مع احد الفريقين (بطبيعة الحال تجار الدين هم الحلفاء الأنسب لأنهم لا يؤمنون بالديمقراطية بتاتاً ولكنهم يستعملونها فقط للوصول إلى السلطة فهم يشعرون بأنهم وحدهم من يمتلك الحقيقة الكاملة) و سيدهشونكم بقدرتهم على الكذب والنفاق، لذلك امنوا لهم التغطية الأعلامية ومن ثم اطلبوا منهم حشد انصارهم في مظاهرات كبيرة لاستعراض عضلاتهم (مسيرة الزحف الأخضر) لإقناع الناس بأن حكمكم هو الضامن الوحيد لحفظ البلاد والعباد. تدريجيا سيفقد الثوار التعاطف الشعبي معهم بل وسيردد الناس العاديين بأن مظاهراتهم هذه هي السبب في تردي احوال البلاد.
خامسا: بعد انصراف الناس العاديين عن الثورة لمجابهة متطلبات حياتهم اليومية وانقلاب تجار الدين عليها يمكنكم ان تبدأوا حملة اعلامية منظمة في كل الاسافير - الجداد الألكتروني - لتشويه سمعة الثوار "شيطنة لجان المقاومة" وتنظيف الجيش من كل المتعاطفين مع الثورة "الظباط الشرفاء مثل حامد ، محمد صديق واخرين" وتوجيه التهم لهم وجرجرتهم للمحاكمات -ان امكن - بالتعاون مع اجهزتكم الفاسدة.
سادساً: بعد انهيار الوضع الاقتصادي والامني تماماً ستنخفض معنويات عامة الشعب الى الحضيض ويبدؤون بالتذمر ومن ثم يمكنكم إقناعهم ببساطة بأن تظاهرات واعتصامات الثوار هي المعطل الرئسي للتنمية والانتاج في البلد. حينئذٍ سيشعر الثوار بالخطر الحقيقي ويبدؤون في التظاهر لمحاولة انقاذ الثورة واستنهاض الناس من جديد وحينها تطلقون العنان لحلفائكم تجار الدين لإتهامهم بالعمالة لدول اجنبية وتوجيه الضربة القاضية لهم بكل شراسة ، إبتغاء مرضاتكم و شهوة منهم لمشاركتكم السلطة. وفي النهاية فإن الناس العاديين – والذين كانوا على استعداد للتضحية بأرواحهم – سيلعنون الثورة والثوار مليون مرة.
و عندئذٍ يهرب الشيطان لوجود من يقوم بواجباته من البشر على اكمل وجه
الخلاصة:
١- ايها البرهان "انعل الشيطان" و غلب مصلحة البلد على شهوة السلطة للحفاظ على ما تبقى من السودان
٢- أيها الثوار "أنعلوا الشيطان" واتركوا التشرذم و التشظي – ديل اديلوجيين وديك رجعيين وهؤلاء هبوط ناعم - الذي لا يخدم إلا اعداء الثورة
٣- يا عامة الشعب "أنعلوا الشيطان" وخلوكم عضد لإخوانكم الثوار "لأنكم في نفس المركب"
٤- يا بقايا الكيزان والمنتفعين "أنعلوا الشيطان" و توبوا الى الله توبة نصوحة وكفاية تخريب في البلد فقد بلغ السيل الزبى
٥- أيها المدنيين في مجلسي السيادة والوزراء "أنعلوا الشيطان" وتذكروا انكم ما وصلتم لهذه المناصب الا بدماء الشهداء الطاهرة فمن الواجب عليكم تحسين الأداء للأرتقاء و الوصول الى حجم تطلعات و تضحيات الشعب السوداني
خاتمة: حرية سلام و عدالة .... مدنية خيار الشعب
مازن ابو الحسن 9 اكتوبر 2020
حسابي ع الفيسبوك هنـــا
اقرأ ايضا مرت سنة : ٣ يونيو ٢٠٢٠